מאמרים
היסטוריה, זיכרונות
תרבות
Français English عربى  Etc.

نبيل عبد الأمير الربيعي*

أ - إيلي عمير .. الروائي الذي عرّف الآخرين

بالحضارة العربية من خلال رواياته

حين يرجع المرء بذاكرته إلى الوراء , إلى عهد الطفولة والصبا , تكون هنالك صور يحملها لكل ذكرياته السعيدة والحزينة وأيامه الحلوة والمرة , الطفولة الناعمة والشقاء والمرارة في تهجيره وقلعة من أصوله وجذوره الحقيقة لتنبت في أرض بعيدة عما يتوقعه ومختلفة عن ثقافته وعاداته وتقاليده , أن يشترك مع الآخرين بالسعي لكسب العيش , والكل يذهب في طريقه للعمل الذي يختص به , فهو جانباً يتساوى فيه الجميع في الإنتاج والبناء والعيش والتطبع على علاقات و أجواء جديدة , ثم يغادرون الحياة ببطء.

ولد الروائي العراقي الأصل واليهودي الديانة إيلي عمير في بغداد 26-أيلول1937 , كان اسمه في سجلات النفوس العراقية ( فؤاد الياس خلاصجي) من خلال الحوار مع الباحث مازن لطيف في جريدة تاتو في 3-8-2012 , وقد هاجر مع عائلته من العراق إلى إسرائيل عام 1950 وهو في الثانية عشر من عمره , وقد أصدر الكثير من الروايات وبين أهم نتاجاته الأدبية رواية (ياسمين) التي طبعت عام 1995 وترجمة من قبل حسين سراج في مصر عام 2007 ,وهي تروي قصة حب بين نوري وهو يهودي من أصل عراقي وبين ياسمين الفلسطينية المسيحية من شرق القدس ,الهدف من الرواية من أجل تعزيز الإدراك والتعرف المتبادل بين الطرفين , الذي سيؤول في نهاية المطاف إلى السلام الحقيقي.
ترجمت أغلب روايات إيلي عمير من اللغة العبرية إلى اللغة العربية منها (ياسمين, ديك الفداء, المطيرجي, حب شاؤول, لقاء بين مجهولين ) , وقد خصص الروائي عمير حيزاً كبيراً في رواياته للشخصيات الشعبية العراقية وللفلكلور العراقي والأكلات الشعبية العراقية , فاز بالعديد من الجوائز الأدبية والاجتماعية وله برامج في الراديو والتلفزيون.
من خلال مطالعة رواية (ياسمين) نجد إن المؤلف أبرز التناقضات الشخصية الموجودة من خلال شخصية أبو نبيل الصديق لأبو جورج واللذان يمتلكان صحيفة في القدس الشرقية , وكان ابنه نبيل عضو في حركة فتح , ويقوم بعمليات فدائية , أما شخصية غدير البدوية الساكنة في جبل (اسكوبست) في القدس الذي قابلها نوري وتعرف عليها عندما احتلت إسرائيل القدس , لكن المخابرات الإسرائيلية ( الشين بيت ) رفضت ذلك , فهو صراع بين الأجيال والشخصيات في إسرائيل من خلال المفاهيم للعلاقات والعوائل وسيطرة الأنظمة الحكومية التي ترفض بعض العلاقات.

الرواية خلفيتها سياسية وفيها العديد من الشخصيات المصرية التي تشيد بالزعيم عبد الناصر , إلا أن الكاتب إيلي عمير ذات التوجهات اليسارية العلمانية يدعوا من خلال الرواية إلى إقامة دولتين في فلسطين , وإن القدس يجب أن يرفع عليها أعلام الدول العرابية والإسلامية وإسرائيل والفاتيكان , وتصبح القدس عاصمة عالمية , كما أن عمير يرفض الاحتلال واضطهاد الفلسطينيين ولا يجب معارضة الشعب الفلسطيني , بل إحلال السلام.

يعلق عمير على الرواية في إحدى الأمسيات الأدبية التي أقيمت في القاهرة في وقت سابق قبل التغيير , بمناسبة صدور الرواية وترجمة بعض فصولها في مجلة ( اكتوبر) قال :" لقد بدأ الغزو الثقافي العربي الإسرائيلي تتزايد وتيرته في أعقاب السلام مع مصر , وأنا لا أخشى هذا الغزو ....لذلك أقول لا تخافوا من الانفتاح على الثقافة العبرية , هل من الممكن العيش بسلام بدون أن نقرأ ونتعرف على ثقافة الآخرين؟" , ثم يركد الكاتب عمير في كلمة افتتاحية ألقاها من خلال المأدبة التي أقيمت على صدور الكتاب باللغة العربية " إن الهدف من الكتاب هو التغلب على العوائق السيكولوجية القائمة بين الطرف الفلسطيني والطرف الإسرائيلي " كما يشيد عمير حول التطبيع " يتوجب على الطرفين الفصل بين الثقافة والسياسة واعتبار الأدب جسراً بين الشعوب والحضارات" , من هذا يؤكد عمير على أهمية التقارب بين الحضارات ,وأن يكون الأديب جسراً بين الشعوب .

كما كتب عمير العديد من الروايات منها قصة ( ديك الفداء)و(المطيرجي) و ( حب شاؤول) و(لقاء بين مجهولين) , يتميز عمير بذكر أحداث وشخصيات واقعية في رواياته , وهو يصور جانباً مما يسميها معاناة اليهود في العراق من خلال تصوير معاناة سليم أفندي , من هذا ترى إن المنجز الأدبي للمهاجرين من الأدباء اليهود العراقيين ترتبط منجزاتهم الأدبية على مستوى التاريخ للحالة اليهودية في المرحلة التي يصورها إضاعة للصدق , فهي مرحلة معينة من حياة اليهود في العراق.
خصص عمير حيزاً كبيراً في رواياته للشخصيات الشعبية العراقية وللفلكلور العراقي والأكلات الشعبية العراقية , حيث بات التحليق في سماء الثقافة والحضارة العربيتين سمة من سمات المشهد الأدبي الإسرائيلي , إذ تتفاعل في المشهد الثقافات العربية والعبرية , وقد سيطر أغلب الأدباء والمثقفين من المهاجرين العراقيين على مواقع ثقافية أكاديمية مهمة في إسرائيل, وقد اخترقوا الحواجز الثقافية الغربية عبر الكتابة بالعبرية , وتسجيل للذاكرة العراقية بالكتابة بالعربية .

كان من الطبيعي أن تتوجه نخبة من الشباب اليهودي العراقي في بداية قيام دولة إسرائيل إلى الكتابة الروائية والصحافية بالعبرية , لتمكنهم من هذه اللغة وآدابها , لكن جمهور القراء كان محدوداً ومقتصراً على العرب فقط , فالشباب العراقيين من الديانة اليهودية ذو الميول الشيوعية انتقلوا للكتابة بالعبرية بدلاً من العربية , لكون اللغتين توأمين للغة الآرامية , ومن أبرز هؤلاء الكتاب سامي ميخائيل وشمعون بلاص وإيلي عمير , وقد شكل الحنين إلى الوطن الأصلي العراق أبرز المشاعر المشتركة لجميع الكتاب اليهود من أصل عراقي .

-------------

* نبيل عبد الأمير الربيعي خريج كلية الادارة والاقتصاد, فرع المدرسين التجاريين عام 1984-1985; من مواليد الديوانيةالجديدة (1958); اكمل دراستة في الديوانية والجامعة في جامعة بغداد; كاتب في جريدة "طريق الشعب" الجريدة المركزية للحزب الشيوعي العراقي ومجلة "الشرارة" ومجلة "الثقافة الجديدة" وفي موقع الحوار المتمدن؛ له كتابات عن شهداء انصار الحزب الشيوعي في كردستان وواقع الجالية اليهودية في العراق؛  كتب العديد من الدراسات الفكرية والأدبية والثقافية. المصدر: الحوار المتمدن-  www.ahewar.org  -   العدد: 4058 – 10.4.2013.

ب - مراد ميخائيل .. الشاعر الذي أول من كتب قصائد النثر

عند متابعة سيرة حياة د. مراد ميخائل الأدبية يتبين لنا انها بمثابة سلسلة متواصلة من الحلقات والنشاط الأدبي والعلمي والتربوي , فكان منذ صغره ميال ومحباً إلى الأدب, فنشر الكثير من المقالات والشعر والقصص في الصحف والمجلات باسم (نزيل الشرقاط) كونه كان موظفاً في بداية عمله في محطة سكك الحديد في الشرقاط , وقد قرّظ شعره الشاعر معروف الرصافي في مجلة الحرية عام 1926.

ولد الشاعر مراد ميخائيل في بغداد عام 1906 ودرسَ في مدرسة التعاون الأهلية في بغداد عام 1912 , ومدرسة الأليانس ثم الثانوية والتحق بعمله عام 1923كموظف في منطقة الشرقاط شمال العراق موظفاً في محطة السكك الحديدية , وانظم إلى سلك التعليم عام 1928 في مدرسة شماش التي أسست وقتذاك فدرّس اللغة العربية , ثم أصبح مديراً لمدرسة الأليانس في العمارة , ثم معلماً في المدرسة الوطنية في بغداد , ونقل مدرساً للغة العربية في مدرسة شماش للفترة من (1928-1940) "فنهض بادارتها ست سنوات , ونظراً لخبرته الجيدة في شؤون الادارة , دعي إلى طهران عام 1947 لادارة المدرسة التي انشأها العراقيون في العاصمة الايرانية " ادب اليهود العراقيين وثقافتهم في العصر الحديث –د طالب مهدي الخفاجي ص73, التحق بكلية الحقوق ونال شهادتها عام 1938 من جامعة بغداد والماجستير في الأدب العربي والحضارة الإسلامية عام 1962 , حصل على درجة الدكتوراه في التخصص نفسه عام 1965 .

يؤكد الروائي العراقي سمير نقاش قبل رحيلة إلى ريادة مراد ميخائيل لشعر النثر في العراق وقد اطلق الشاعر معروف الرصافي على شعره (الشعر المنثور) , طبعت اعماله الشعرية الكاملة عام 1988 بعد رحيله بعامين ,كانت من أغرب قصائده ( نحن الشعراء) التي شارك فيها بمهرجان مبايعة أحمد شوقي أميراً للشعراء عام 1927 ,مع كل من " معروف الرصافي وجواد علي ورفائيل بطي وعبد الكريم العلاف وجميل صدقي الزهاوي ومحمد مهدي الجواهري واحمد حامد الصراف وعبد الرحمن البنا " لكن لم يعترض عليها معترض من الشعراء كقصيدة نثر وقتذاك.

نشر د. مراد ميخائيل مقالاته وشعره وقصصه في مجلة الحرية لصاحبها رفائيل بطي عام 1926 , وكانت تتسم قصائده بالأسئلة الوجودية وبنهاياتها الحائرة القلقة , يذكر الشاعر ميخائيل في مجلة النفائس بعض بداياته الأدبية " حينما تصفحت عدداً منها وجدت كل عدد منها يحتوي على رواية بوليسية من تأليف كونان دويل , وكان في كل هذه الروايات الشخصية أطلق عليها المؤلف جان ملتون , وفي صغري كان أحد اقاربي يقص علينا في ليالي الشتاء قصصاً لهذا الكاتب , فاشتريت المجموعة بأكملها وأخذت اطالعها بنهم شديد , وهذه المجموعة جرّت إلى مطالعاتي في اللغة العربية " . يتصف شعر مراد ميخائيل بالحزن والأسى إضافة إلى ذلك فهو يملك روحاً فكاهية عميقة وسحرية لطيفة يبدأها بنفسه , وقد نشر مراد ميخائيل أول مجموعتين بعنوان ( المروج والصحارى ) عام 1931 و(دموع الأسى ) عام 1933 , ونصوص مختارة بجزئين (1965-1967) و ( تاريخ الأدب العربي بثلاثة أجزاء) (1965-1969) و(النصوص الأدبية) عام 1964 وكتاب ( الحضارة الاسلامية) عام 1967 , بعد رحيل الشاعر مراد ميخائيل في 13 شباط 1986 تولت زوجته طبع قصائده بعنوان ( الأعمال الشعرية الكاملة ) بتحقيق واشراف عبد الرحيم الشيخ يوسف .

يذكر الباحث العراقي عبد ال‘له أحمد في كتابه ( نشأة القصة وتطورها في العراق) الصادر 1969 " إن أول قصة فنية في تأريخ الأدب العراقي الحديث هي قصة (شهيد الوطنية وشهيد الحب) التي ألفها مراد ميخائيل ونشرتها له جريدة المفيد البغدادية في نيسان 1922 وهو في السادسة عشرة من عمره " , تمكن مراد ميخائيل من الاطلاع على روائع شاعر الهند طاغور وقد التقاه في بغداد عام1932 وقدم له قصيدتهً من الشعر المنثور باللغة الانكليزية , كتبها باسلوب طاغور عندما كان الشاعر موظفاً بسيطاً في محطة السكة الحديدية في شمال العراق .

أما قصيدة ( عبادة الحب) التي نشرت في مجلة المصباح العدد الأول بتاريخ 10-4-1924 ونظمها الشاعر أثناء تواجده في الشرقاط وقدمت لها مجلة المصباح هذه الكلمة " مراد ميخائيل صاحب هذه المقطوعة الشعرية شاب مهذب ذور شعور رقيق وقلب حساس ....يميل إلى الأدب العصري .... والمقطوعة التي ننشرها له في هذا العدد تدل على رقة قلبه وطهرة روحه" :


إن قلبي مثل الذي تذرفينه
يلثم الوجد مثلما تلثمينه 
وعلى العهد إن بقيت أمينه

يعبد الحب مثلما تعبدينه
. . .
ينحني الورد إن مررت خشوعا
ويفوح الأريج منه ولوعا
كان قلبي في الحب قلبا وديعا
وهو اليوم مثلما تعهدينه

وقصيدة أخرى بعنوان (غرفتك ) يقول الشاعر في مطلعها :
غرفتك
تحبك غرفتك
هي عالمك الصغير
الواسع باحلامك الخضراء
. . .
انها تراقب دفاترك المفتوحة
وأنتِ تقلبينها بصبر وعناء
انها تصغي لما تقرأين
في سكوتك العميق
. . .
تحبك غرفتك وتغار عليك
ولذلك تضمك جدرانها
وتغلق بابها
لتحرمني رؤياك
. . .
ومن ديوانه (المرج والصحارى) 1931 قصيدة بعنوان ( أحلم وأتألم) رغم لمساته الرومانسية في هذه القصيدة :
عندما تنام الأزهار تحت أطباق الثلوج
عندما تتجرد الغصون من الأثمار وتتعرى من الأوراق
عندما يجمّد الشتاء الجداول البلورية 
عندما تختفي النجوم بالغيوم السوداء

تحلم وتتأمل من خلال سكونها
تحلم وتتأمل وهي عالم من الأحلام 
ولكنني أحلم وأتأمل وأنا في عالم اليقظة

فاجعلي يقظتي أحلاماً أبدية بجميل كراك!

يتسم الشاعر بالروح الوطنية والتطلع نحو الحرية واستقلال العراق , فكانت نتاج قريحتهُ منظومته ( يا وطني) التي يقول فيها:
يا وطني , يا وطني
حبك قد تيمني
حبك أقصى مأربي
فأنت أمي وأبي
بل مطلبي بل مكسبي 
ومقصدي في الزمنِ

. . .
يا وطني أنت الرجا
أنت النهى أنت الحمى
وأنت نعم الملتجا 
وعمدتي في المحنِ

. . .
نظم الشاعر هذه القصيدة وهو ما زال شباب في مقتبل العمر ونشرها " في جريدة دجلة لصاحبها داود السعدي في نيسان 1922" أدب اليهود العراقيين الحديث –د. طالب مهدي الخفاجي ص77 , كما تأثر الشاعر بالشعراء الأقدمين أمثال المتنبي والمعري , إضافة لشعراء فرنسا وانكلترا وشاعر الهند طاغور , وقد نشر بعض قصائده في مجلة المصباح عام 1924 , كما لم يخل الشاعر مراد ميخائيل من قصائد الغزل كونه يمتلك احساس مرهف رقيق المشاعر:
لو كنت نجماً أبدي الضياء
وفي سماء محبتي تسبحين
لكنت رمزاً للهوى والبقاء
وكنتِ رمزاتّ لمحب أمين

يمتلك الشاعر ميخائيل خيال يرفرف في الآفاق البعيدة التي تصبوا إليه النفس والقلب كما أشعر إن شعر مراد ميخائيل الجزء الأكبر منه كان شعراً منثوراً لكنه لا يفتقد للروح العاطفية والحلم الجميل , من هذا يتضح إن مراد ميخائيل شاعراً وأديباً واستاذاً قد كتب الشعر المنثور باللغة العربية , وإن محاولات الشاعر الاصلاحية قد أثرت في الأدب تأثيراً كبيراً , وأصبح من شأن النثر أن يكون أكثر قدرة على التعبير لمختلف القضايا الحياتية , وإن حصة اليهود العراقيين في جميع مجالات الثقافة والفن والأدب تعد كبيرة وخاصة في فن الشعر والقصة .

-------------

المصدر: مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي - Secular Studies & Researches Centre in Arabic World www.ssrcaw.org – 11.4.2013.

 

 

 

 

 

 

 

4/24/2013