מאמרים
היסטוריה, זיכרונות
תרבות
Français English عربى  Etc.

 

هل يحق للعرب والمسلمين إنكار المحارق والمجازر الفاشية ضداليهود؟
 
بقلم كاظم حبيب *
 
 
حين وصلتُ إلى ألمانيا في نهاية العام 1958وفي الفترة اللاحقة قمت بزيارة لأكبر معسكرات الاعتقال النازية الموزعة على مناطقمختلفة من ألمانيا. وانطلاقاً من كوني أمارس السياسة وسجيناً سابقاً رغبت الإطلاععلى واقع تلك المعسكرات وما عاناه الإنسان فيها من تعذيب نفسي وجسدي وتجويع وتشغيلوعذابات وموت بالجملة شملت النساء والرجال والأطفال بمن فيهم الأطفال الرضع أوالنساء الحوامل. فكان لي أن زرت أول معسكر في مدينة داخاو مع مجموعة من الطلبةالعراقيين في ألمانيا الاتحادية. وحين انتقلت للدراسة في ألمانيا الديمقراطية تسنىلي زيارة معسكري بوخنفالد في ولاية تورنگن وعلى مقربة من مدينة فايمر الثقافيةوالتاريخية, مدينة العملاقين في الأدب الألماني گوتيه وشيلر والموسيقار العالميلست. ثم زرت معسكر ساكسن هاوزن القريب من مدينتي برلين-براندينبورگ في ألمانياالديمقراطية مع مجموعة من الطلبة الأجانب. وفيما بعد زرت وبصحبة الرفيقين عزيز محمدوالرفيق الراحل مهدي عبد الكريم في العام 1974 معسكر أوشفتس في بولونيا. وتسنى ليفيما بعد زيارة معسكرات اعتقال أخرى في مدن أوروبية أخرى. وقد كانت الصدمة الأولىشديدة القسوة والأثر النفسي لما شاهدته من حقائق صارخة على أرض الواقع والتي يصعبعلى الإنسان وصفها. إن المواقع التي شاهدتها والكتب التي قرأتها والناس الذينالتقيت بهم من مختلف الأطياف الفكرية والسياسية الذين كانوا في بعض معسكراتالاعتقال النازية وقضوا فيه سنوات من عمرهم والأفلام التي شاهدتها, والتي لم تنتجلأغراض الدعاية بل كانت من الأفلام الوثائقية, والمتاحف التي قمت بزيارتها, كلهاتؤكد بما لا يقبل الشك أحد احتمالين: إما أن يكون الناكر لهذه الحقائق إنسان جاهلولا يمتلك المعلومات الكافية, وبالتالي فهو يردد بغباء كبير من سبقه من الناس فيالتشكيك بكل ذلك والادعاء بعدم صدق تلك المعلومات الخاصة بضحايا النازية, أو أنهعنصري تافه وغبي بامتياز, بغض النظر عن القومية أو الدين الذي ينتسب إليه, فمثل هذاالإنسان يكون عموماً عاجزاً عن التفكير بعقلانية وسوية حول ما حصل في ألمانيا بين 1933-1945.
من درس تاريخ ألمانيا وفترة الحكم النازي بين 1933-1945 يعرف بأنالبوليس الألماني التابع لوزارة الداخلية أقام خلال عام 1933 ستين معتقلاً وزعت علىكل الإمبراطورية الألمانية للسياسيين المناهضين للسياسات الفاشية الهتلرية منالأحزاب والقوى الأخرى, وكانت تابعة لوزارة الداخلية وتحت رقابتها. إلا أن هذاالوضع لم يستمر طويلاً إذ سرعان ما هيمنت عصابات ال أس أسSS الألمانية (أمن الدولة)على تلك المعسكرات وراحت تعيد تنظيمها وتجميعها في معسكرات كبيرة. وفي العام 1937كانت هناك ستة معسكرات اعتقال في ألمانيا تضم عشرات الألوف من السياسيين. ثم كانتالمرحلة الثانية التي تجمعت في معسكرات أخرى حتى بلغت في العام 1942 (22) معسكراًللاعتقال.
وفي المحصلة النهائية وفي وقت مبكر جمع النازيون كل السياسيين منمختلف الاتجاهات السياسية واليهود والسلافيين والسنتي والروما (الغجر) والمثليينوالمجرمين ومن يطلق عليهم بالباحثين في الإنجيل في معسكرات مشتركة. وأعطي لكل نوعمن هؤلاء لون معين على قطعة قكاش تخاط في مقدمة قميص المعتقل, فكان على اليهود حملالنجمة السداسسة بلون أصفر على صدور صدورهم, كما فرض على السياسيين حمل قطعة قماشدائرية حمراء اللون, وللمشردين اللون الأسود, وللمجرمين اللون الأخضر, وبحاثةالأنجيل اللون البنفسجي واللاجئين اللون الأزرق. وقد وزعت هذه المعسكرات في ألمانياوبولونيا والنمسا وفرنسا وغيرها من الدول الأوروبية. وكانت السجون الأخرى, وكذلكالجيش الألماني, يرسلون الكثير من المعتقلين ألمانيا للعمل القسري في معامل الإنتاجالحربي وتحت ظروف عمل قاسية ومريعة جداً ولساعات طويلة تفوق قدرة الإنسان علىالتحمل, إضافة إلى التجويع المتواصل الذي أدى كل ذلك إلى سقوط ضحايا قدرت بمئاتالآلاف من المعتقلين من مختلف الاتجاهات الفكرية والسياسية والجنسيات والأديانوالمذاهب الدينية.
ورغم أن القتل الجماعي قد شمل كافة المعتقلين, إلا أن القتلالجماعي كان من حصة مواطنات ومواطني يهود الدول الأوروبية بشكل خاص بدافع الحقدالعنصري الأسود الذي تميزت به العقيدة النازية وكافة القوميين الآريين الهتلريين.فوفق المعلومات المتوفرة والصادرة عن مراكز البحث العلمي التاريخية فقد بلغ عددمعتقلي هذه المعسكرات خلال فترة الحكم النازي 18 مليون إنسان, قتل منهم بأساليبمختلف 11 مليون إنسان (راجع القاموس السياسي الصغير, ديتس فيرلاگ, برلين 1985, ص 516). أما عدد اليهود الذين قتلوا وينحدرون من دول أوروبية خلال العهد النازي فيالفترة الواقعة بين 1933 - 1945 فقد تراوح بين 5-6 ملون إنسان. وإذا جمع هذا الرقممع عدد الذين انتحروا بعد التحرير لأسباب ترتبط بعواقب وجودهم السابق في معسكراتالاعتقال فأن العدد يرتفع ليتراوح بين 6156185 – 6261185 نسمة وكلهم من أتباعالديانة اليهودية. هذا هو العدد, الذي اتفقت واستقرت عليه كل المصادر العلمية التييمكن الثقة بكفاءتها العلمية ونزاهتها وبعدها عن التأثيرات السياسية في البحث. وهذاالعدد الكبير موزع على النحو التالي:
الإمبراطورية ألمانيا 165000, النمسا 65000, فرنسا وبلجيكا 32000, هولندا 102000, لوكسمبورغ 1200, إيطاليا 7600, اليونان 60000, يوغسلافيا بين 55000-60000, تشيكوسلوفاكيا 143000, بلغاريا 11000, ألبانيا 600, النرويج 735, الدنمرك 50, هنغاريا 502000, رومانيا 211000, بولونيا 2700000,الاتحاد السوفييتي بين 2100000-2200000.
(
بینز, فولفگانگ. أساطير وأكاذيبوأحكام مسبقة. كتاب الجيب الألماني. 1992, ص 112, باللغة الألمانية).
وهناك العشراتمن المصادر التي تؤكد ذلك والتي تسنى لي الإطلاع عليها.
وعلينا أن نتذكر أن موجةالعنف ضد اليهود قد ارتفعت في تلك الفترة في الكثير من مناطق العالم نتيجة التأثيرالسياسي والدبلوماسي الألماني والدعاية الألمانية, ومنها العراق حيث تأثرت القوىالقومية اليمينية بهذه الوجهة وبرزت الدعاية ضد اليهود من خلال نادي المثنى فيبغداد والكشافة وفرق الجوالة, والتي ساهم فيها الوزير المفوض الألماني في بغداد فيحينها الدكتور أ. گروبه, والتي انتهت بمجزرة الفرهود ضد اليهود في الأول والثاني منحزيران/يونيو 1941 في أعقاب فشل انقلاب مايس من نفس العام وكذلك الفرهود الذي وقعفي البصرة ضد اليهود.
إن من زار معسكرات الاعتقال في بوخنفالد وداخاو وساكسنهاوزن في ألمانيا وأوشفتس في بولونيا كان من الصعوبة عليه في كل مرة أن يحبس دموعهبعد أن يكون قد رأى أحذية الأطفال الضحايا من كل العمار وهي مكدسة في إحدى القاعاتوكأنها تل من الأحذية, إضافة إلى مواقع أخرى لملابس النساء والرجال, أو أن يرىالمحارق الغازية للبشر التي كان أجهزة النظام الأمنية والمسئولين عن معسكراتالاعتقال من هم على وشك الموت إلى تلك المحارق الجهنمية, أو الذين استخدموا للتجاربالطبية والتجارب على الأسلحة الحديثة, أو أن يكون قد شاهد جلد إنسان انتزع منه وهوحي يرزق وصنع منه مظلة لمصباح منضدة أو أن يجد ثلاثة حقول صغيرة في بداية مدخلمعتقل ساكسن هاوزن مثلاً مساحة كل منها حولي 20 متراً مربعاً, غطت أرض الحقل الأولبشظايا زجاج حادة جارحة, وغطت أرض الحقل الثاني بالملح, أما الحقل الثالث فغطيبالفحم. وكان على المعتقل أن يسير حافياً عليها على التوالي والدماء تسيل من أسفلقدميه بقصد التعذيب المباشر. إن أساليب التعذيب الفاشية هي مزاوجة بين أساليبالتعذيب التي استخدمت في القرون الوسطى في ألمانيا واسبانيا وغيرها من الدولالأوروبية والأساليب الحديثة المزودة بتقنيات جديدة. والتي كما يبدو لي, قد تعلممنها الصداميون كثيراً, كما أن بعض هذه الأساليب قد مورست في سجن أبو غريب منمجموعة من السجانين من حثالة الشعب الأمريكي وبقرار من إدارة بوش. كما أن سجن أيفينفي إيران قد عرف هذه الأساليب الهمجية ايضاً.
لقد قتل الكثير من السنتي والروماوالسلافيين بسبب الكراهية والحقد العنصريين, كما قتل الكثير من الشيوعيينوالاشتراكيين والمسيحيين وجمهرة كبيرة من المثقفين ممن لم يتسنى لهم الهرب منألمانيا بسبب الاختلاف الفكري والسياسي, إضافة إلى قتل اليهود بسبب عنصر ومعاداةالسامية.
إن هذه الجريمة البشعة التي ارتكبت بحق أتباع الدين اليهودي لا يمكنأن تغتفر ولا يمكن نسيانها وستبقى في ذاكرة التاريخ حية تعبر عن الفكر العنصريوالشوفينية والقسوة السادية والحقد الأعمى والكراهية للآخر ولا يجوز بأي حالنسيانها لأنها عار في جبين الإنسانية كلها. ولا بد للعرب والمسلمين أن يعترفوا بهاوأن يدينوها لأنها كانت جريمة إبادة جماعية ضد الإنسانية, ولا يجوز لهم إنكارحصولها. فهي حقيقة واقعة, وإنكارها ليس فقط رؤية عنصرية, بل وأكبر غباء وحماقةسياسية. ولا يمكن أن ينكرها سوى أولئك الذين يكرهون اليهود من منطلق عنصري وكراهيةالإنسان الآخر والدين الآخر, وهم أولئك الذي يتبنون الفكر القومي العربي اليمينيالشوفيني الذين مارسوا الجريمة ضد اليهود في العام 1941 في العراق, وكذلك في مجازرالأنفال في كردستان وحلبچة أو تهجير وقتل الكُرد الفيلية أو العرب الشيعة من الوسطوالجنوب, أو الذين يرفضون حتى الآن إدانتها رغم كل الوقائع الدامغة التي ظهرت فيمحاكمات المجرمين المسئولين عنها. ومن تعرف على معتقلات صدام حسين يستطيع أن يدركالأساليب الفاشية السادية اللعينة التي مارسها جلاوزة صدام حسين بحق المعتقلينالسياسيين في العراق. لقد مات الكثير من البشر تحت التعذيب وقتلوا بصيغ شتى. ولا شكفي أن صدام حسين وجلاوزته هم من بقايا أيتام الفكر النازي وفق صيغة عقلية عربيةمتخلفة وطريقة سادية بشعة!
أتمنى على العرب وعلى المسلمين في كل مكان أن لايخلطوا بين الحقائق التاريخية وبين ما يحصل من صراع في الشرق الأوسط, الصراع بيندولة إسرائيل والشعب الفلسطيني أو احتلال إسرائيل لمزارع شبعا أو الجولان السوري,أو العقوبات الجماعية التي تمارسها إسرائيل في الأراضي العربية المختلة في فلسطين,فهما قضيتان منفصلتان عن بعضهما من حيث المكان والزمان والقوى. ونكران تلك الجريمةهو عداء وكراهية لليهود وغباء ودون وجه حق وعار لا يجوز السكوت عنه ولا يعبر مثلهذا الموقف عن رؤية ومشاعر إنسانية وعقلانية سياسية. وإذ من واجبنا أن ندين تلكالجرائم التي ارتكبت بحق اليهود حينذاك, علينا أن ندين ونشجب السياسات اليمينيةالمتطرفة التي تمارسها الحكومة الإسرائيلية ضد العرب في فلسطين وتسويف حل المشكلةلصالح إقامة دولتين والتجاوز على قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي. وفيالوقت علينا أن نتلمس السياسات الخطرة التي تمارسها حماس, بدعم مباشر من إيرانأتباع إيران في المنطقة, لعرقلة أي حل للقضية الفلسطينية, وبالتالي فهم يدعموناليمين الإسرائيلي الذي يرغب في ذلك أيضاً.
-----------
* كاظم حبيب, كاتب وسياسي عراقي وأحد العاملين في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان.
المصدر : الحوار المتمدن – العدد 2675 – 12.6.2009 / www.ahewar.org
 
6/16/2009